به مطلق الرؤية، أو الرؤية المقيدة بالإحاطة، والأول باطل، لأنه ليس كل من رأى شيئاً يقال: إنه أدركه، كما يقال أحاط به، كما سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال: ألست ترى السماء؟ قال: بلى، قال: أكلها ترى؟ قال: لا. ومن رأى جوانب الجيش أو الجبل، أو البستان، أو المدينة لا يقال: إنه أدركها، وإنما يقال: أدركها إذا أحاط بها رؤية.

ونحن في هذا المقام ليس علينا بيان ذلك، وإنما ذكرنا هذا بياناً لسند المنع، بل المستدل بالآية عليه أن يبين أن الإدراك في لغة العرب مرادف للرؤية وأن كل من رأى شيئاً يقال في لغتهم: إنه أدركه، وهذا لا سبيل إليه، كيف وبين لفظ الرؤية ولفظ الإدراك عموم وخصوص، فقد تقع رؤية بلا إدراك، وقد يقع إدراك بلا رؤية، أو اشتراك لفظي، وأن الإدراك يستعمل في أدراك العلم، وإدراك القدرة، فقد يدرك الشيء بالقدرة وإن لم يشاهد كالأعمى الذي يطلب رجلاً هارباً فأدركه ولم يره، وقد قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 61-62] ، فنفي موسى الإدراك مع إثبات الترائي. فعلم أنه قد يكون رؤية بلا إدراك، والإدراك هنا هو إدراك القدرة، أي ملحقون محاط بنا، وإذا انتفى هذا الإدراك فقد تنتفي إحاطة البصر أيضاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015