أحدها: طول العمر وعلو الرواية, وثانيتها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم, وثالثتها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية, ورابعتها: تجمعهم على دينه وعدالته واتباعه السنن, وخامستها: تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده.

ولا يصير مالكا ولا يغض من قدره افتيات البعض عليه وتزيدهم في حقه كابن إسحاق الذي نقم على مالك مكانته وجلالته, فراح ينتقصه ويدعي أنه من الموالي ويقول: ائتوني بعلم مالك فأنا بيطاره وذكروا أن ابن أبي ذؤيب شارك ابن إسحاق حملته على الإمام مالك, ولعل ذلك منهما كان موقفا شخصيا أو خلافا فقهيا, وربما حقدا عليه؛ لأن مالكا كان يخالفهما ويطعن عليهما، ومع ذلك فإن هؤلاء العلماء الذين نقدوا مالكا لم يستطع أحدهما أن ينقد رواية من رواياته للحديث الشريف.

فهذه المسائل التي وجهت إلى الإمام لا تنقص من قيمته العلمية ولا من صحة روايته، وهي أقرب ما تكون إلى نقد المتنافسين بعضهم إلى بعض.

ومما أخذ على الإمام تخلفه عن حضور الجماعة واتباع الجنائز وعيادة المرضى مع تعهد السؤال عن الأمراء, ولا شك أن ذلك حدث منه في آخر عمره, ويبدو أن له فيه عذرًا فقد سئل عن سبب ذلك, فقال: ما كل الأعذار يستطيع المرء أن يبديها.

وقد امتد عمر مالك وقدر له أن يعايش تغيرات جذرية, وأن يراقب اضمحلال دولة بني أمية وسقوطها، وأن يواكب نشأة دولة بني العباس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015