تحقق أن الرواية بالمعنى ضرورة دعت إليها الحاجة، وإنما تؤخذ للضرورة بقدرها, ولا يدعي عاقل أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يتأهلوا للرواية بالمعنى، بمعنى لم تتحقق فيهم شروطها، بل الحق الصراح الذي لا ريب فيه أن الصحابة ثقات أثبات، حرصوا كل الحرص على الاستيثاق والاحتياط في الروايات، فحفظوا ووعوا ما رووا, وأدوه في الأعم الأغلب كما سمعوه، وإذا اضطرتهم الضرورة للرواية بالمعنى فهم العالمون الفاهمون الهاضمون لما ينقلون، فلا خوف على الرواية من زللهم، كيف وقد تنوقلت رواياتهم بواسطة الأئمة الأعلام الذين بلغوا في النقد والتدقيق والتحرير الغاية. فلو وقفوا على زلل لبينوه وقوموه، لكنهم على من يستدركون؟ أعلى أرباب الفطنة والذكاء من أمثال ابن عباس, الذي كان يحفظ كل ما يقع عليه بصره أو سمعه من مرة واحدة, وأثر أنه سمع قصيدة لشاعر الغزل عمر ابن أبي ربيعة1 من ثمانين بيتا، فحفظها كلها.