141- وهو دليل العقل في استصحاب براءة الذمة عن الواجبات , وسقوط الحرج عن الخلق فيما لم يأت فيه أمر أو نهي , كسقوط الصلاة السادسة مثلا , وأكل شوال وما أشبه ذلك. وبالجملة فتسمية هذا دليلا تجوز فيه العبارة. والذي أصارهم إلى هذا تكلفهم أن يجعلوا السمعيات في وجوب الدليل في حالتي النفي والإثبات كوجوب ذلك في العقليات , حتى تراهم يضطربون , فمرة يقولون: "عدم الدليل دليل " , ومرة يقولون: " ثبت بالقياس أو بالإجماع إن لم يلف دليل عليه في الشرع فتستصحب فيه البراءة الأصلية ". والصواب غير هذا , لأن ما كان طريق وجوده السمع فهو على العدم محمول حتى يرد غير ذلك , والعدم فيه أشهر. وما كان هذا إما أن لا يطلب من الناس دليل عليه أصلا , وأما إن طلب فدون دليل المثبت , كالحال في المدعي والمدعى عليه.
[221/1] 142- والاستصحاب في هذه الصناعة يطلق على وجوه: أحدها استصحاب البراءة الأصلية الذي تقدم. والثاني استصحاب العموم حتى يرد تخصيص. والثالث استصحاب النص حتى يرد نسخ. والرابع استصحاب حكم عند أمر قرنه الشرع به لتكرر ذلك الأمر. والخامس استصحاب الإجماع , أو بالجملة الحكم الشرعي الثابت بالنقل في موضع يظن أن المحكوم عليه قد تغير حكمه لتغيره في نفسه, كبيع أم الولد وما أشبه ذلك. وهذا الاستصحاب يراه أهل الظاهر وهم لازمون في ذلك لأصولهم , لأن من لا يجوز في الشرع النوع من النظر الذي يسمى عند أهل هذه الصناعة بالقياس, فالأشياء كما أنها عندهم على البراءة الأصلية حتى يرد دليل السمع , كذلك إذا ورد دليل الشرع بقي على حكمه وإن تغيرت أوصافه حتى يرد دليل الارتفاع.