الأحاديث فإنها تواترت فلا يمتنع أن يكون التصديق بها مقصرا عن التصديق بالكتاب. وليس بمحال على ما يرى كثير من الناس أن يتفاضل التصديق اليقيني لاسيما فيما سبيله النقل , فأما ما نقل عن الشافعي رحمه الله أنه كان لا يجوز نسخ السنة المتواترة بالقرآن , فلا معنى له , إذا أخذ على ظاهره , اللهم إلا أن يتأول ذلك , فإن وجوه التأويل لا تضيق.
126- مسألة: لا يجوز نسخ النص القاطع المتواتر بالقياس المظنون , كما لا يجوز بخبر الواحد. وقد احتج من أجاز ذلك بجواز تخصيص القياس للنص المتواتر. وهذا إذا سلم فليس بحجة , إذ التخصيص بيان والنسخ رفع. وبالجملة فالحجة في ذلك إجماع الصحابة على إبطال كل رأي مخالف للنص , فكيف النص المتواتر. وحديث معاذ إذ قال اجتهد رأيي عند عدم النص وتزكية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له على ذلك , فأما إذا تناقض نصان قاطعان وأشكل فهل يقضى بتأخر أحدهما بخبر الآحاد؟ فيه نظر , والمسألة في محل الاجتهاد.
127- مسألة: لا ينسخ الحكم بقول الصحابي نسخ حكم كذا ما لم يقل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك. هذا إذا كان الحكم ثابتا بخبر الواحد , لأن كثيرا ما يظن بما ليس بنسخ أنه نسخ , كما ظن قوم أن الزيادة على النص نسخ. وأما إذا كان الحكم ثابتا بطريق التواتر فليس قول الصحابي بنسخ وإن نقل ألفاظ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , لأن الآحاد لا ينسخ به التواتر كما تقدم.
128- وبالجملة فينبغي أن تعلم أن للنسخ شرائط يتضمنها الحد المتقدم وهي منطوية فيه أولها: أن يكون المرفوع حكما شرعيا لا عقليا كالبراءة الأصلية التي ترتفع بإيجاب العبادات. والثاني أن يكون النسخ بخطاب لا أن يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيدا بوقت يقتضي