ففي هذين الحديثين دليل على فضيلة هذه العشر المباركة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجتهد فيها أكثر مما يجتهد في غيرها، وهذا شامل للاجتهاد في جميع أنواع العبادة: من صلاةٍ، وقرآن، وذكر، وصدقة، وغيرها؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يُحيي ليله بالقيام، والقراءة، والذكر: بقلبه، ولسانه، وجوارحه؛ لشرف هذه الليالي، وطلباً لليلة القدر، وظاهر الحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يحيي الليل كله، في عبادة ربه: من الذكر، والقراءة، والصلاة، والاستعداد لذلك بالسحور، وغير ذلك، وبهذا يحصل الجمع بينه وبين ما في حديث عائشة رضي الله عنها الآخر، قالت: (( ... ولا أعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح ... )) (?)؛لأن إحياء الليل الثابت في العشر يكون بالقيام وغيره من أنواع العبادات، والذي نفت عائشة رضي الله عنها إحياء الليل بالقرآن فقط، والله أعلم.
ومما يدل على فضيلة هذه العشر من هذا الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوقظ أهله فيه للصلاة، والذكر، حرصاً على اغتنام هذه الليالي المباركة، بما هي جديرة به من العبادة؛ ولأنها فرصة العمر، وغنيمة لمن وفقه الله تعالى، فلا ينبغي للمؤمن أن يُفوِّت هذه الفرصة العظيمة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة وربما يدرك فيها الإنسان نفحةً من نفحات المولى فتكون سعادةً له في الدنيا والآخرة (?).