وأن الصورة تلائم النظم كتلاؤم الهيئة والشكل للمعادن في صورها المختلفة من خاتم وأسورة مثلًا، أو ملازمة الألوان والأصباغ وتوزيعها ومقاديرها على رقعة الصورة، في تشابه تام بين الصناعتين، صناعة الشعر وغيرها من الصناعات الأخرى.
التاسع عشر:
عرض الإمام وسائل الخيال من تشبيه واستعارة وغيرها، وأنها أحد الروافد في النظم، والنظم فوقها؛ لأنه لم يعتد بألوان الخيال إلابعد اعتداده بالنظم في تأليف الصورة، وأما تحديد معالم الخيال في ذاته، فقد تردد عبد القاهر في مفهومه وسماه التخييل أو الإيهام، وذكر د. غنيمي هلال أن النقاد العرب القدامى لم يصلوا إلى مفهوم دقيق للخيال وأثره في الصورة1.
ويعبر الإمام عن الخيال بالتخيلات، فيذكر بعد قول الشاعر:
إن السحاب لتستحيي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيها
وعلق عليه بقوله: وكذلك يوهمك بقوله: "إن السحاب لتستحيي" إن السحاب حي يعرف ويعقل، وأن يقيس فيضه بفيض كف الممدوح، فيخزى ويخجل.
فالاحتفال والصنعة في التصورات التي تروق السامعين وتروعهم، والتخيلات التي تهز الممدوحين وتحركهم شبيه بما يقع في نفس الناظر إلى التصاوير التي يشكلها الحذاق بالتخطيط والنقش والنقر، فكما أن تلك تعجب وتخلب، وتدخل النفس من مشاهدتها حالة غريبة قبل رؤيتها، ويغشاها ضرب من الفتنة لا ينكر مكانه