كما تعجب الكميت من تصوير ذي الرمة حينما أنشد قوله:
دعاني ما دعاني الهوى من بلادها ... إذا ما نأت خرقاء عني بغافل
فقال الكميت: لله بلاء هذا الغلام، ما أحسن قوله وأجود وصفه يقول: الأستاذ الدكتور خفاجي: "وهذا يدل على إنصاف الكميت في النقد وتمييز الجيد من الرديء في الشعر"1.
بشر بن المعتمر والصورة الأدبية:
أول من تنبه من النقاد العرب القدامى إلى النظم، وهو بشر بن المعتمر2 في صحيفته المشهورة3، فهو لا يرتفع باللفظ وحده، ولا بالمعنى وحده، ولكن يقصدهما معًا وفي نفس واحد، ولا يفصل أحدهما عن الآخر، ويشهد بهما معًا ممهدًا لنظرية النظم يقول:
"إياك والتوعر، فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد، والتعقيد هو الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك".
فالتعقيد من سمات اللفظ والمعنى معًا وهو يفسد الصورة ويخل التعبير بفقد روح التأثير فيها، ويقول بعد ذلك:
"ومن أراد معنى كريمًا فليلتمس له لفظًا كريمًا، فإن حق المعنى الشريف اللفظ الشريف، ومن حقهما أن تصونهما عما يفسدهما ويهجنهما".