الحقائق لم يمكن النظر والاستدلال والخطاب والكلام والفهم والإفهام وكما أنه سبحانه جعل الأبدان مستعدة للاغتذاء بالطعام والشراب ولولا ذاك لما أمكن تغذيتها وتربيتها وكما أن في الأبدان قوة تفرق بين الغذاء الملائم والمنافي ففي القلوب قوة تفرق بين الحق والباطل أعظم من ذلك فخاصة العقل التفريق بين الحق والباطل وتمييز هذا من هذا كما أن خاصة السمع التمييز بين الأصوات حسنها وقبيحها وخاصة الشم التمييز بين أنواع الروائح طيبها وخبيثها وكذلك خاصة الذوق في الطعوم فإذا ادعيتم على العقول أنها لا تقبل الحق وأنها لو صرح لها به لأنكرته ولم تذعن إلى الإيمان فقد سلبتم العقول خاصتها وقلبتم الحقيقة التي خلقها الله وفطرها عليه وكان نفس ما ذكرتم أن الرسل لو خاطبت به الناس لنفروا عن الإيمان من أعظم الحجج عليكم وأنه مخالف للعقل والفطرة كما هو مخالف للسمع والوحي فتأمل هذا الوجه فإنه كاف في إبطال قولهم ولهذا لو أراد أهله أن يدعوا الناس إليه ويقبلوه منهم وطأوا له توطئات وقدموا له مقدمات بنوها في القلب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015