وبينهم واسطة في تبليغ أمره ونهيه وخبره إليهم فلا يعرفون ما يحبه ويرضاه ويبغضه ويسخطه ولا حقائق أسمائه وتفصيل ما يجب له ويمتنع عليه ويوصف به إلا من جهة هذه الواسطة فجاء هؤلاء الملاحدة فعكسوا الأمر وقلبوا الحقائق فنفوا كون الرسل وسائط في ذلك وقالوا تلقى بواسطة العقل ونفوا حقائق أسمائه وصفاته وقالوا هذا التوحيد.
فهذا توحيدهم وهذا إيمانهم بالرسل ويقولون نحن ننزهه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها أنهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة فلا يشك أنهم يمجدونه ويعظمونه ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيرى تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالى عما يستحقه من كماله فتنزيهه عن الأعراض هو جحد صفاته كسمعه وبصره وحياته وعلمه وكلامه وإرادته فإن هذه أعراض لا تقوم إلا بجسم فلو كان متصفا بها لكان جسما وكانت أعراضا له وهو منزه عن الأعراض وأما الأغراض فهي الغاية والحكمة التي لأجلها يفعل ويخلق ويأمر وينهى