فهذه النعمة والمنة والتزكية إنما هي لمن عرف أن ما جاء به الرسول وأخبر به عن الله وصفاته وأفعاله هو الحق كما أخبر به لا كمن زعم أن ذلك مخالف لصريح العقل وأن العقول مقدمة عليه والله المستعان.
الوجه الأربعون: إن علم الأنبياء وما جاءوا به عن الله لا يمكن أن يدرك بالعقل ولا يكتسب وإنما هو وحي أوحاه الله إليهم بواسطة الملك أو كلام يكلم به رسوله منه إليه بغير واسطة كما كلم موسى وهذا متفق عليه بين جميع أهل الملل المقرين بالنبوة والمصدقين بالرسل وإنما خالفهم في ذلك جهلة الفلاسفة وسفلتهم الذين يقولون إن الأنبياء يعلمون ما يعلمونه بقوة عقلية وهم أكمل من غيرهم في قوة الحدس ويسمونها القوة القدسية قالوا ويتميز النبي عن غيره بقون التخيل والتخييل فيتخيل الأمور للعقول في الصور المحسوسة ويخيلها إلى الناس في قوالب تلك الصور ويتميز أيضا بقوة النفس فيتصرف بقوتها في مواد العلم وعناصره بقلب بعضها إلى بعض فهذه عندهم خواص النبوة فالأنبياء عندهم من جنس غيرهم من البشر