ونحوه فهذا من التقديم الذي لا يقدح في المعنى ولا في الفهم وله أسباب تحسنه وتقتضيه مذكورة في علم المعاني والبيان.
وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك كما يدعي من التقديم في قوله: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ} [يوسف 24] وإن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها فهذا أولا لا يجيزه النحاة ولا دليل على دعواه ولا يقدح في العلم بالمراد وكذلك ما يدعون من التقديم والتأخير في قوله {اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} [النمل28] قالوا تقديره فألقه إليهم فانظر ماذا يرجعون ثم تول عنهم فكأنهم لما فهموا من قوله {تَوَلَّ عَنْهُمْ} مجيئه إليه ذاهبا عنهم احتاجوا إلى أن يتكلفوا ذلك وهذا لا حاجة إليه وإنما أمره بما جرت به عادة المرسل كتابه إلى غيره ليعلم ما يصنع به أن يعطيه الكتاب ثم ينعزل عنه حتى ينظر ماذا يقابله به وليس مراده بقوله {تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أقبل إلي ولو أراد ذلك لقال فألقه إليهم وأقبل وقد علم من كونه رسولا له أنه لا بد أن يرجع إليه فليس في ذلك كبير فائدة بخلاف أمره بتأمله أحوال القوم عند قراءة كتابه وقد انعزل عنهم ناحية.