كانوا خيرا من أولئك فهم متناقضون فإنهم إن أثبتوا للرب تعالى حقائقها المفهومة منها فجعلها مجازا في المخلوق ممتنع فإن المعنى الذي كانت به حقيقة في الغائب موجود في الشاهد وإن كان غير مماثل بل للرب منه ما يختص به ولا يماثله فيه المخلوق وللمخلوق منه ما يختص به ولا يماثله فيه الخالق وهذا لا يوجب أن تكون مجازا في حق المخلوق كالوجود والشيء والذات وإن أثبتوها على غير حقائقها المفهومة منها بل جعلوا معناها ما تأولوها عليه فقلبوا الحقائق وعكسوا اللغة وأفسدوها وجعلوا المجاز حقيقة والحقيقة مجازا هذا وهم أعذر من أولئك وأقل خطأ فإنهم جعلوها مجازا في حق من هو أولى بها من خلقه.
وأولى من تثبت له على أتم الوجوه وأكملها أزلا وأبدا ووجوبا وبراءة عن كل ما ينافي ذلك وجعلوها حقيقة في حق من استعيرت له على وجه الحدوث والضعف والنقص فهؤلاء أعظم قلبا للحقائق ومخالفة للمعقول من أولئك وقالت طائفة ثالثة بل هي حقيقة في الغائب والشاهد كالوجود والشيء والذات وإن لم تماثل الحقيقة الحقيقة ثم اختلف هؤلاء فقالت طائفة هي مقولة عليها بالاشتراك اللفظي لتباين الحقيقتين من كل وجه وهذا من أفسد الأقوال فإن كل عاقل يفرق بين لفظي العين ولفظ المشتري ولفظ العين ونحوها وبين لفظ السميع والبصير