أصلتموها من أصلها وإن قلتم بل للمنقول معان قصدها المتكلم وأراد من العباد اعتقادها والإقرار بها فإما أن يدل اللفظ عليها أو لا يدل فإن لم يدل اللفظ عليها كان ذلك متضمنا للمحال والعبث والقدح في الرب تعالى ورسله وكلامه من وجوه متعددة فكيف إليهم أن يخاطبهم بكلام يريد منهم أن يفهموا منه مالا يدل عليه بوجه ما وهو سبحانه قد أكذب هذا الظن الكاذب الجائر بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم4] وقوله {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} [فصلت44] فخطابهم بذلك من جنس خطاب كل أمة بلغة لا تفهمها البتة بل أبعد منه لأنها يمكنها التوصل إلى معرفة المراد بهذا الخطاب بالترجمة كما يترجم التراجم بين الرسل والملوك وأما الخطاب بما لا يدل على المعنى المراد بوجه في لغة من اللغات وإرادة اعتقاد ذلك المعنى منه فلا يفعله عاقل ويصان عنه عقلاء البشر فضلا عن أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعدل العادلين وهذا لو كان المراد منه معاني لا يناقضها الكلام ولا يدل عليها بنفي ولا إثبات فكيف إذا كان الكلام المخاطب به له معان تناقض تلك المعاني التي أراد منهم فهمها ومخالفتها فهذا أبلغ في