إذا تبين ذلك فمن صرف لغير الله شيئا من أنواع العبادة المتقدم تعريفها، كالحب والتعظيم والخوف والرجاء والدعاء والتوكل والذبح والنذر وغير ذلك فقد عبد ذلك الغير، واتخذه إلها، وأشركه مع الله في خالص حقه، وإن فر من تسمية فعله ذلك: تألها وعبادة وشركاء، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغيير أسمائها، فلو سمي الزنا والربا، والخمر بغير أسمائها لم يخرجها تغيير الإسم عن كونها زنا وربا وخمرا ونحو ذلك، فمن المعلوم أن الشرك إنما حرم لقبحه في نفسه، وكونه متضمنا مسبة الرب، وتنقصه، وتشبيهه بالمخلوقين، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير أسمائها، كتسميته توسلا وتشفعا للصالحين وتوقيرا لهم ونحو ذلك، فالمشرك مشرك شاء أم أبى، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن طائفة من أمته يستحلون الربا باسم البيع، ويستحلون الخمر باسم آخر غير اسمها، وذمهم على ذلك، فلو كان الحكم دائرا مع الاسم لا مع العلة لم يستحق الذم، وهذا من أعظم مكائد الشيطان لبني آدم قديما وحديثا، أخرج لهم الشرك في قالب تعظيم الصالحين وتوقيرهم، وغيّر اسمه بتسميته إياه توسلا، وتشفعا ونحو ذلك، والله الهادي إلى سواء السبيل. انتهى.
فلا بد في شهادة أن لا إله إلا الله من أن يكون المتكلم بها عارفا لمعناها، عاملا بمقتضاها باطنا وظاهرا، ولا بد من العلم واليقين بمدلوها كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا