والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلة من هذه الأربع إما مالكا لما يريده عابده منه، فإن لم يكن شريكا للمالك كان معينا له وظهيرا، فإن لم يكن معينا ولا ظهيرا كان شفيعا عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفيا مرتبا متنقلا من الأعلى إلى الأدنى، فنفى الملك، والشركة، والمظاهرة، والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك، وهي الشفاعة بإذنه، فكفى بهذه الآية نورا وبرهانا وتجريدا للتوحيد، وقطعا لأصول الشرك وموارده لمن عقلها، والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها، ولكن أكثر الناس لا يشعرون بدخول الواقع تحته وتضمنه له، ويظنه في نوع وقوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا، وهذا هو الذي حال بين القلب وبين فهم القرآن، ولعمر الله إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو مثلهم أو شر منهم أو دونهم، فتناول القرآن لهم كتناوله لأولئك، انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا تبين لك الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية عرفت أن مشركي أهل زماننا لا يعرفون ما عرفه كفار العرب، فإن كفار العرب يعلمون أنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله، فقد نفوا جميع المعبودات من دون الله، وأثبتوا العبادة لله وحده لا شريك له دون سواه، فأبوا عن النطق بلا إله إلا الله، وعتوا عتوا كبيرا، وأبى الظالمون إلا كفورا، فجحدوا لا إله إلا الله