حللت محلّا يقصر الطّرف دونه ... ويعجز عنه الطّيف أن يتجشما «1»
وقول النابغة «2» :
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعت، أىّ الرجال المهذّب؟
وليس لهذا البيت نظير فى كلام العرب. وقال بعضهم: نظيره قول أوس بن حجر:
ولست بخابىء أبدا طعاما ... حذار غد، لكلّ غد طعام
وهذا وإن كان نظيره فى التأليف فإنه دونه لما تكرّر فيه من لفظ «غد» .
فإذا كان الكلام قد جمع العذوبة، والجزالة، والسهولة، والرّصانة، مع السلاسة والنصاعة، واشتمل على الرّونق والطّلاوة، وسلم من حيف «3» التأليف، وبعد عن سماجة التركيب، وورد على الفهم الثاقب قبله ولم يردّه، وعلى السّمع المصيب استوعبه ولم يمجّه؛ والنفس تقبل اللطيف، وتنبو عن الغليظ، وتقلق من الجاسى «4» البشع؛ وجميع جوارح البدن وحواسّه تسكن إلى ما يوافقه، وتنفر عمّا يضادّه ويخالفه؛ والعين تألف الحسن، وتقذى بالقبيح؛ والأنف يرتاح للطيب، وينغر «5» للمنتن؛ والفم يلتذّ بالحلو، ويمجّ المرّ؛ والسمع يتشوّف للصواب الرائع وينزوى عن الجهير الهائل؛ واليد تنعم باللّين، وتتأذّى بالخشن؛ والفهم يأنس من الكلام بالمعروف، ويسكن إلى المألوف، ويصغى إلى الصواب، ويهرب من المحال، وينقبض عن الوخم، ويتأخّر عن الجافى الغليظ، ولا يقبل الكلام المضطرب إلا الفهم المضطرب، والرويّة الفاسدة.
وليس الشأن فى إيراد المعانى، لأنّ المعانى يعرفها العربىّ والعجمىّ والقروى