الكلام- أيدك الله- يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخيّر لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه، وتشابه «1» أعجازه بهواديه «2» ، وموافقة مآخيره لمباديه، مع قلّة ضروراته، بل عدمها أصلا، حتى لا يكون لها فى الألفاظ أثر؛ فتجد المنظوم مثل المنثور فى سهولة مطلعه، وجودة مقطعه، وحسن رصفه وتأليفه؛ وكمال صوغه وتركيبه.
فإذا كان الكلام كذلك كان بالقبول حقيقا، وبالتحفظ خليقا؛ كقول الأول:
هم الألى وهبوا للمجد أنفسهم ... فما يبالون ما نالوا إذا حمدوا
وقول معن بن أوس «3» :
لعمرك ما أهويت كفّى لريبة ... ولا حملتنى نحو فاحشة رجلى
ولا قادنى سمعى ولا بصرى لها ... ولا دلّنى رأيى عليها ولا عقلى
وأعلم أنّى لم تصبنى مصيبة ... من الدّهر إلّا قد أصابت فتى قبلى
ولست بماش ما حيبت لمنكر «4» ... من الأمر لا يمشى إلى مثله مثلى