قال بعض الكتّاب: أحسنوا معاشر الكتّاب الابتداءات فإنهن دلائل البيان.
وقالوا: ينبغى للشاعر أن يحترز فى أشعاره، ومفتتح أقواله؛ مما يتطيّر منه، ويستجفى من الكلام والمخاطبة والبكاء ووصف إقفار الديار وتشتيت الألّاف ونعى الشباب وذمّ الزمان؛ لا سيّما فى القصائد التى تتضمن المدائح والتهانى. ويستعمل ذلك فى المراثى، ووصف الخطوب الحادثة؛ فإن الكلام إذا كان مؤسسا على هذا المثال تطيّر منه سامعه،
وإن كان يعلم أن الشاعر إنما يخاطب نفسه دون الممدوح، مثل ابتداء ذى الرّمة «1» :
ما بال عينك منها الماء ينسكب ... كأنه من كلى مفرّية سرب «2»
وقد أنكر الفضل بن يحيى البرمكى على أبى نواس ابتداءه «3» :
أربع البلى إن الخشوع لبادى ... عليك وإنى لم أخنك ودادى
قال فلما انتهى إلى قوله:
سلام على الدّنيا إذا ما فقدتم ... بنى برمك من رائحين وغاد
وسمعه استحكم تطيّره، وقيل: إنه لم يمض أسبوع حتى نكبوا.
ومثله ما أخبرنا به أبو أحمد، قال: حدثنا الصولى، قال: حدثنا محمد بن العباس