وهذا الجنس كثير فى كلام القدماء والمحدثين، وهو أحسن ما يتعاطى من أجناس صنعة الشعر، ومجراه مجرى التذييل لتوليد المعنى، وهو أن تأتى بمعنى ثم تؤكده بمعنى آخر يجرى مجرى الاستشهاد على الأول، والحجة على صحته.
فمثاله من النثر ما كتب به كافى الكفاة فى فصل له: فلا تقس آخر أمرك بأوّله، ولا تجمع من صدره وعجزه، ولا تحمل خوافى صنعك على قوادمه، فالإناء يملؤه القطر فيفعم، والصغير يقترن بالصغير فيعظم، والداء يلمّ ثم يصطلم، والجرح يتباين ثم ينفتق، والسيف يمس ثم يقطع، والسهم يرد ثم ينفذ.
ومن الاستشهاد قول الآخر:
إنما يعشق المنايا من الأق ... وام من كان عاشقا للمعالى
وكذاك الرّماح أول ما يك ... سر منهنّ فى الحروب العوالى
وقال أبو تمام «1» :
هم مزّقوا عنه سبائب حلمه ... وإذا أبو الأشبال أحرج عاثا
وقال أيضا «2» :
عتقت وسيلته وأية قيمة ... للمشرفى العضب «3» ما لم يعتق
وقال أيضا «4» :
يأخذ الزائرين قسرا ولو كفّ ... دعاهم ربع خصيب
غير إن الرامى المسدد يحتا ... ط مع العلم أنه سيصيب