والقرشى الصريح «1» ألّا يعرف إعجاز كتاب الله تعالى إلّا من الجهة التى يعرفه منها الزّنجى «2» والنّبطى «3» ، أو أن يستدلّ عليه بما استدلّ به الجاهل الغبىّ.
فينبغى من هذه الجهة أن يقدّم اقتباس هذا العلم على سائر العلوم بعد توحيد الله تعالى ومعرفة عدله والتصديق بوعده ووعيده على ما ذكرنا؛ إذ كانت المعرفة بصحة النبوة تتلو المعرفة بالله جل اسمه.
ولهذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة، ومناقب معروفة؛ منها أنّ صاحب العربية إذا أخلّ بطلبه، وفرّط فى التماسه، ففاتته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوته، عفّى على جميع محاسنه، وعمّى «4» سائر فضائله؛ لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيّد، وآخر ردى؛ ولفظ حسن، وآخر قبيح؛ وشعر نادر، وآخر بارد، بان جهله، وظهر نقصه.
وهو أيضا إذا أراد أن يصنع قصيدة، أو ينشىء رسالة- وقد فاته هذا العلم- مزج الصّفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر «5» ، واستعمل الوحشى العكر؛ فجعل نفسه مهزأة «6» للجاهل، وعبرة للعاقل؛ كما فعل ابن جحدر فى قوله:
حلفت بما أرقلت حوله ... همرجلة خلقها شيظم «7»
وما شبرقت من تنوفيّة ... بها من وحى الجنّ زيريم «8»
وأنشده ابن الأعرابى، فقال: إن كنت كاذبا فالله حسيبك.
وكما ترجم بعضهم كتابه إلى بعض الرؤساء: مكركسة تربوتا ومحبوسة بسرّيتا «9» ؛