وقليل ذلك مغتفر لا يعتدّ به. فمن ذلك قوله: «فسبحان من يهلك القوىّ الأكول» فيه زيادة على ما بعده وهو حسن.
ومنها أن يكون ألفاظ الجزأين المزدوجين مسجوعة، فيكون الكلام سجعا فى سجع، وهو مثل قول البصير: حتى عاد تعريضك تصريحا، وتمريضك تصحيحا.
فالتعريض والتمريض سجع، والتصريح والتصحيح سجع آخر، فهو سجع فى سجع؛ وهذا الجنس إذا سلم من الاستكراه فهو أحسن وجوه السجع. ومثله قول الصاحب:
لكنه عمد للشوق فأجرى جياده غرّا وقرحا «1» ، وأورى زناده قدحا فقدحا. وقوله:
هل من حق الفضل تهضمه شغفا ببلدتك، وتظلمه كلفا بأهل جلدتك. وقوله:
وقد كتبت إلى فلان ما يوجز الطريق إلى تخلية نفسه، وينجز وعد الثقة فى فك حبسه؛ فهذان الوجهان من أعلى مراتب الازدواج والسجع.
والذى هو دونهما: أن تكون الأجزاء متعادلة، وتكون الفواصل على أحرف متقاربة المخارج إذا لم يمكن أن تكون من جنس واحد، كقول بعض الكتّاب:
إذا كنت لا تؤتى من نقص كرم، وكنت لا أوتى من ضعف سبب؛ فكيف أخاف منك خيبة أمل، أو عدولا عن اغتفار زلل، أو فتورا عن لمّ شعث، أو قصورا عن إصلاح خلل. فهذا الكلام جيّد التوازن ولو كان بدل «ضعف سبب» كلمة آخرها ميم ليكون مضاهيا لقوله: «نقص كرم» لكان أجود؛ وكذلك القول فيما بعده.
والذى ينبغى أن يستعمل فى هذا الباب ولا بدّ منه هو الازدواج، فإن أمكن أن يكون كل فاصلتين على حرف واحد، أو ثلاث، أو أربع لا يتجاوز ذلك كان أحسن؛ فإن جاوز ذلك نسب إلى التكلف. وإن أمكن أيضا أن تكون الأجزاء متوازنة كان أجمل، وإن لم يكن ذلك فينبغى أن يكون الجزء الأخير أطول، على أنه