الباب الثّامن فى ذكر السجع والازدواج
لا يحسن منثور الكلام ولا يحلو حتى يكون مزدوجا، ولا تكاد تجد لبليغ كلاما يخلو من الازدواج، ولو استغنى كلام عن الازدواج لكان القرآن؛ لأنه فى نظمه خارج من كلام الخلق، وقد كثر الازدواج فيه حتى حصل فى أوساط الآيات فضلا عما تزاوج فى الفواصل منه «1» . كقول الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ
. وقوله عز وجل: أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ
. وقوله تعالى: وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
. إلى غير ذلك من الآيات.
وأما ما زووج بينه بالفواصل فهو كثير. مثل قوله تعالى: فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ
. وقوله سبحانه: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ
. وقوله عز وجل: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ
. وقوله جل ذكره: وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا
؛ وهذا من المطابقة التى لا تجد فى كلام الخلق مثلها حسنا ولا شدة احتصار؛ على كثرة المطابقة فى الكلام.
وكذلك جميع ما فى القرآن مما يجرى على التسجيع والازدواج مخالف فى تمكين المعنى، وصفاء اللفظ، وتضمّن الطّلاوة والماء لما يجرى مجراه من كلام الخلق. ألا ترى قوله عز اسمه: وَالْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
قد بان عن جميع أقسامهم الجارية هذا المجرى، من مثل قول