ومنه قوله تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ

؛ والجامع بين الأمرين خلوّ الأجساد من الأرواح؛ والفائدة الحثّ على احتقار ما يؤول به الحال.

وهكذا قوله سبحانه: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً

؛ فالجامع بين الأمرين ضعف المعتمد؛ والفائدة التحذير من حمل النفس على التغرير بالعمل على غير أس.

والوجه الرابع: إخراج ما لا قوّة له فى الصفة على ما له قوة فيها؛ كقوله عزّ وجلّ: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

؛ والجامع بين الأمرين العظم، والفائدة البيان عن القدرة فى تسخير الأجسام العظام فى أعظم ما يكون من الماء.

وعلى هذا الوجه يجرى أكثر تشبيهات القرآن، وهى الغاية فى الجودة، والنهاية فى الحسن.

وقد جاء فى أشعار المحدثين تشبيه ما يرى العيان بما ينال بالفكر، وهو ردىء، وإن كان بعض الناس يستحسنه لما فيه من اللطافة والدّقة، وهو مثل قول الشاعر «1» :

وكنت أعزّ عزّا من قنوع ... يعوّضه صفوح من ملول «2»

فصرت أذلّ من معنى دقيق ... به فقر إلى فهم «3» جليل

وكقول الآخر:

وندمان سقيت الرّاح صرفا ... وأفق اللّيل مرتفع السّجوف

صفت وصفت زجاجتها عليها ... كمعنى دقّ فى ذهن لطيف

فأخرج ما تقع عليه الحاسّة إلى ما لا تقع عليه، وما يعرف بالعيان إلى ما يعرف بالفكر، ومثله كثير فى أشعارهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015