والتشبيه على ثلاثة أوجه: فواحد منها تشبيه «1» شيئين متفقين من جهة اللّون؛ مثل تشبيه الليلة بالليلة، والماء بالماء، والغراب بالغراب، والحرّة بالحرّة. والآخر تشبيه شيئين متّفقين يعرف اتّفاقهما بدليل؛ كتشبيه الجوهر بالجوهر، والسواد بالسواد. والثالث تشبيه شيئين مختلفين لمعنى يجمعهما؛ كتشبيه البيان بالسّحر؛ والمعنى الذى يجمعهما لطافة التدبير ودقة المسلك. وتشبيه الشدة بالموت، والمعنى الذى يجمعهما كراهية الحال وصعوبة الأمر.
وأجود التشبيه وأبلغه ما يقع على أربعة أوجه:
أحدها: إخراج ما لا تقع عليه الحاسة [إلى ما يقع عليه] «2» ؛ وهو قول الله عزّ وجل: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً.
فأخرج ما لا يحسّ إلى ما يحسّ؛ والمعنى الذى يجمعهما بطلان المتوهم مع شدّة الحاجة وعظم الفاقة، ولو قال: يحسبه الرأى ماء لم يقع موقع قوله: «الظمآن» ؛ لأنّ الظمآن أشدّ فاقة إليه، وأعظم حرصا عليه.
وهكذا قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ
. والمعنى الجامع بينهما بعد التّلاقى، وعدم الانتفاع.
وكذلك قوله عزّ وجل: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ
؛ أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه من لهث الكلب.
والمعنى أن الكلب لا يطيعك فى ترك اللهث على حال، وكذلك الكافر لا يجيبك إلى الإيمان فى رفق ولا عنف.
وهكذا قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ
. والمعنى الذى يجمع بينهما الحاجة إلى المنفعة، والحسرة لما يفوت من درك الحاجة.