بعينه لبعض البغداديين؛ فكثر تعجّبى، وعزمت على ألّا أحكم على المتأخّر بالسّرق «1» من المتقدّم حكما حتما.
وسمعت ما قيل: إنّ من أخذ معنى بلفظه كان له سارقا، ومن أخذ ببعض لفظه كان له سالخا، ومن أخذه فكساه لفظا من عنده أجود من لفظه كان هو أولى به ممن تقدّمه.
وقالوا: إن أبا عذرة الكلام «2» من سبك لفظه على معناه؛ ومن أخذ معنى بلفظه فليس له فيه نصيب.
على أنّ ابتكار المعنى والسّبق إليه ليس هو فضيلة يرجع إلى المعنى؛ وإنما هو فضيلة ترجع إلى الذى ابتكره وسبق إليه؛ فالمعنى الجيّد جيّد وإن كان مسبوقا إليه؛ والوسط وسط، والردىء ردىء، وإن لم يكونا مسبوقا إليهما.
وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعانى بينهم؛ فليس على أحد فيه عيب إلّا إذا أخذه بلفظه كلّه، أو أخذه فأفسده، وقصّر فيه عمّن تقدمه، وربما أخذ الشاعر القول المشهور ولم يبال؛ كما فعل النابغة فإنه أخذ قول وهب بن الحارث ابن زهرة:
تبدو كواكبه والشمس طالعة ... تجرى على الكاس منه الصّاب والمقر «3»
وقال النابغة «4» :
تبدو كواكبه والشمس طالعة ... لا النّور نور ولا الإظلام إظلام
وأخذ قول رجل من كندة فى عمرو بن هند:
هو الشمس وافت يوم دجن فأفضلت ... على كلّ ضوء والملوك كواكب