وقال آخر «1» :
هلّا سألت جموع كند ... ة يوم ولوا أين أينا
وإنما جاءوا بالصّفة وأرادوا توكيدها فكرهوا إعادتها ثانية؛ فغيّروا منها حرفا، ثم أتبعوها الأولى؛ كقولهم: «عطشان نطشان» كرهوا أن يقولوا: عطشان عطشان؛ فأبدلوا من العين نونا. وكذلك قالوا: حسن بسن. وشيطان ليطان، فى أشباه له كثيرة.
وقد كرّر الله عزّ وجل فى سورة الرحمن قوله: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
؛ وذلك أنه عدّد فيها نعماءه وأذكر عباده آلاءه، ونبّههم على قدرها، وقدرته عليها، ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليعرف موضع ما أسداه إليهم منها.
وقد جاء مثل ذلك عن أهل الجاهلية؛ قال مهلهل «2» :
على أن ليس عدلا من كليب
فكرّرها فى أكثر من عشرين بيتا.
وهكذا قول الحارث بن عبّاد:
قرّبا مربط النعامة منّى
كرّرها أكثر من ذلك؛ هذا لمّا كانت الحاجة إلى تكريرها ماسّة، والضرورة إليه داعية، لعظم الخطب، وشدّة موقع الفجيعة؛ فهذا يدلّك على أنّ الإطناب فى موضعه عندهم مسثحسن، كما أنّ الإيجاز فى مكانه مستحبّ.
ولا بدّ للكاتب فى أكثر أنواع مكاتباته من شعبة من الإطناب يستعملها إذا أراد المزاوجة بين الفصلين، ولا يعاب ذلك منه. وذلك مثل أن يكتب: عظمت نعمنا عليه، وتظاهر إحساننا لديه. فيكون الفصل الأخير داحلا فى معناه فى الفصل الأول؛ وهو مستحسن لا يعيبه أحد.