ومثله:

رأت أمّنا كيصا يلفّف وطبه ... إلى الأنس البادين فهو مزمّل «1»

فقالت فلان قد أغاث عياله «2» ... وأودى عيال آخرون فهزّلوا

ألم يك ولدان أعانوا ومجلس ... قريب فيجرى إذ يكفّ ويجمل «3»

الكيص: الذى ينزل وحده. والوطب: وعاء اللبن. والأنس البادون: أهله لأنه يرده إليهم، فمنهم من يتذمم فيسقى لبنه ومنهم من يرده كيصا مثل فعل الذى ينزل وحده. مزمل: مبرد «4» .

فهذه الأبيات سمجة الرّصف؛ لأنّ الفصيح إذا أراد أن يعبّر عن هذه المعانى، ولم يسامح نفسه عبّر عنها بخلاف ذلك.

وكان القوم لا ينتقد عليهم، فكانوا يسامحون أنفسهم فى الإساءة.

فأما مثال الحسن الرّصف من الرسائل فكما كتب بعضهم: ولولا أنّ أجود الكلام ما يدلّ قليله على كثيره، وتغنى جملته عن تفصيله، لوسّعت نطاق القول فيما أنطوى عليه من خلوص المودّة، وصفاء المحبة؛ فجال مجال الطّرف فى ميدانه، وتصرّف تصرّف الرّوض فى افتنانه؛ لكن البلاغة بالإيجاز أبلغ من البيان بالإطناب.

ومن تمام حسن الرصف أن يخرج الكلام مخرجا يكون له فيه طلاوة وماء، وربما كان الكلام مستقيم الألفاظ، صحيح المعانى؛ ولا يكون له رونق ولا رواء؛ ولذلك قال الأصمعى لشعر لبيد: كأنه طيلسان طبرانى، أى هو محكم الأصل ولا رونق له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015