وكان له ورع وزهد وتواضع، متقللا من الدنيا، عاملا بالعلم، ثقة. لا تأخذه في الله لومة لائم في صدعه الحق بالحق، وقصده المظفر عبد الملك بن أبي عامر بطليطلة أثر صلاة جمعة، وكان الشيخ قد لزم داره، وكان يسمع عليه فيها، فلما استأذن المظفر وعلم بذلك الشيخ قال لمن حوله من طلبة العلم: لا تقوموا. فامتثلوا أمره، فدخل المظفر عليه فأكرم مثواه. ثم استنفره الدعاء فقال محمد بن إبراهيم: اللهم أدخل له في قلوب رعيته الطاعة وأدخل لهم في قلبه الرأفة والرحمة. ثم انصرف. ذكر ذلك ابن مطاهر.
قال ابن شنظير: توفي يوم الأربعاء بعد صلاة العصر لستٍّ خلون من جمادى الآخرة عام أربع مائة، ودفن يوم الخميس بعد صلاة الظهر، وصلى عليه ابن يعيش ومولده سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة.
روى عن أبي عبد الله بن مفرج وغيره من شيوخ قرطبة ورحل إلى المشرق وحج ودخل العراق، وروى بها عن أبي بكر الأبهري الفقيه، لقيه ببغداد سنة تسع وستين وثلاث مائة. وروى عن أبي الحسن الدارقطني، وعن أبي الحسن محمد بن المظفر الحافظ البغداذي وأبي أحمد الحسين بن علي التميمي النيسابوري. وكان قدم بغداد حاجا في العام المذكور، وعن أبي بكر أحمد بن محمد بن العباس الأسفاطي بالبصرة وغيرهم وأخذ بمصر عن أبي بكر بن إسماعيل، وأبي علي سعيد بن شعبان، والحريري وغيرهم وبالقيروان عن أبي محمد بن أبي زيد.
وانصرف إلى الأندلس وشهر بالعلم وكان موسرا، وتولى الأحباس بقرطبة. حدث عنه أبو عمر بن عبد البر، وأبو عبد الله بن عابد وأثنى عليه وقال: طالت صحبتي له، وكرمت مداخلتي إليه إلى حين وفاته. وكان متمكنا من القاضي أبي العباس بن ذكوان، مقدما في المناظرة عنده، وكان معدودا من ذوي الفضل الراجح، والحلم التام مع العلم والانقباض، ورقة أهل المشرق.