الجماعة على من لا عذر له, فمما دل عليه قوله لابن أم مكتوم وهو ضرير: "لا أجد لك رخصة". فإذا كان الأعمى لا رخصة له فالبصير أولى أن لا تكون له رخصة. قال: وفي اهتمامه صلى الله عليه وسلم بأن يحرق على قوم تخلفوا عن الصلاة بيوتهم أبين البيان على وجوب فرض الجماعة, إذ غير جائز أن يتهدد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تخلف عن ندب وعما ليس بفرض.
قال: ويؤيده حديث أبي هريرة أن رجلا خرج من المسجد بعدما أذن المؤذن فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم, ولو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره, وإنما لما أمر الله جل ذكره بالجماعة في حال الخوف دل على أن ذلك في حال الأمن أوجب, والأخبار المذكورة في أبواب الرخصة في التخلف عن الجماعة لأصحاب الأعذار تدل على فرض الجماعة على من لا عذر له, ولو كان حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص في التخلف عنها في أبواب العذر معنى, ودل على تأكيد فرض الجماعة قوله صلى الله عليه وسلم: "من يسمع النداء فلم يجب فلا صلاة له". ثم ساق الحديث في ذلك ثم قال: وقال الشافعي ذكر الله الأذان بالصلاة, فقال: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} . وقال تعالى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} . وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للصلوات المكتوبات فأشبه ما وصفت أن لا يحل أن تصلي كل مكتوبة إلا في جماعة حتى لا يخلو جماعة مقيمون أو مسافرون من أن يصلي بهم صلاة جماعة فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر وإن تخلف أحد فصلاها منفردا لم تكن عليه إعادتها صلاها قبل الإمام أو بعده إلا صلاة الجمعة فإن من صلاها ظهرا قبل صلاة الإمام كان عليه إعادتها لأن إتيانها فرض هذا كله لفظ ابن المنذر, وقالت الحنفية والمالكية: هي سنة مؤكدة ولكنهم يؤثمون تارك السنن المؤكدة ويصححون الصلاة بدونه, والخلاف بينهم وبين من قال أنها واجبة لفظي. وكذلك صرح بعضهم بالوجوب, قال الموجبون: قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ