كانت في ذمته بإجماع فلا تسقط إلا بإجماع وهو مفقود, قيل لكم: ومن ذا الذي قال بسقوطها من ذمته بالتأخير, وأن ذمته قد برئت منها, فمن قال بهذا فقوله أظهر بطلانا من أن نحتاج إلى دليل عليه. والذي يقول منازعوكم إنها قد استقرت في ذمته على وجه لا سبيل له إلى أدائها واستدراكها إلا بعود ذلك الوقت بعينة, وهذا محال, ثم نعارض هذا الإجماع بإجماع مثله أو أقوى منه, فنقول: أجمع المسلمون على أنه عاص متعد مفرط بإضاعة الوقت فلا يرتفع هذا الاجماع إلا بإجماع مثله, ولم يجمعوا أنه يرتفع عنه الإثم والعدوان بالفعل بعد الوقت, بل لعل هذا لم يقله أحد.
فهذا ما يتعلق بالحجاج من الجانبين, وليس لنا غرض فيما وراء ذلك, وقد بان من هو أسعد بالكتاب والسنة وأقوال السلف في هذه المسالة والله المستعان.
فصل
فإن قيل فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المفطر متعمدا في نهار رمضان بالقضاء في موضعين أحدهما المجامع. والثاني: المستقيء. ففي السنن من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد جامع أهله في رمضان فذكر الحديث وقال فيه: "فأتى بعذق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا" وفيه قال: "كله أنت وأهل بيتك وصم يوما واستغفر الله عز وجل". وعند ابن ماجة: "وصم يوما مكانه".
وفي السنن والمسند من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ومن استقاء فليقض". قيل: الحديثان معلولان لا يثبتان. أما قصة المجامع في رمضان فقد رواها أصحاب الصحيح ولم يذكر أحد منهم هذه الزيادة, والذي ذكرها لا تقوم به الحجة فإنها من رواية عبد الجبار بن عمر الأيلي وقد ضعفه الأئمة. قال يحيى بن معين: "ليس بشيء ولا يكتب حديثه" وقال مرة: "ضعيف" وكذلك قال أبو زرعة والسعدي أي ابن سعد والنسائي, وقال البخاري: "ليس بالقوي عنده مناكير" وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه يخالف فيه والضعف بين على رواياته" ورواه أئمة أصحاب ابن شهاب عنه كمالك وغيره فلم يذكروا قوله: "صم يوما مكانه". ورواه أبو مروان العثماني عن إبراهيم بن سعد عن الليث عن ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "له في هذه القصة اقض