راحلته مواجه الفجر, فغلبت بلالا عيناه وهو مستند إلى راحلته فلم يستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا بلال ولاأحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولهم استيقاظا, ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أي بلال"؟ فقال بلال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأبي أنت وأمي يا رسول الله. قال قتادة: فاقتادوا رواحلهم شيئا ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح فلما قضى الصلاة قال: "من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله تعالى قال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} ".
وفي الصحيحين من حديث عمران بن حصين نحو هذه القصة. وفي صحيح مسلم عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة قال: "إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الأخرى".
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبد الله بن مسعود قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من الحديبية ليلا فنزلنا منزلا دهاسا من الأرض فقال: "من يكلؤنا" فقال بلال: أنا. قال: "إذا تنام". قال: لا. فنام حتى طلعت الشمس فاستيقظ فلان وفلان فيهم عمر فقال: اهبطوا فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "افعلوا كما كنتم تفعلون" فلما فعلوا, قال: "هكذا فافعلوا لمن نام منكم أو نسي". فهذا متفق عليه بين الأئمة, واختلفوا في مسألتين: لفظية وحكمية.
فاللفظية هل تسمى هذه الصلاة أداء أو قضاء؟ فيه نزاع لفظي محض فهي قضاء لما فرض الله عليهم, وأداء باعتبار الوقت في حق النائم والناسي فإن الوقت في حقهما وقت الذكر والانتباه, فلم يصلها إلا في وقتها الذي أمرنا بإيقاعها فيه وأما ما يذكره الفقهاء في كتبهم من قوله: "فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها" فهذه الزيادة لم أجدها في شيء من كتب الأحاديث, ولا أعلم لها إسنادا, ولكن قد روى البيهقي السنن والدارقطني من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها".
فصل
وأما المسألة الحكمية: فهل تجب المبادرة إلى فعلها على الفور حين يستيقظ ويذكر أم يجوز له التأخير؟ فيه قولان: أصحهما وجوبها على الفور, وهذا قول جمهور الفقهاء منهم إبراهيم النخعي ومحمد بن شهاب الزهري وربيعة