ثم اختلف أهل السنة: هل الرؤية في الآخرة خاصة بالمؤمنين أم يراه الكفار والمنافقون كما يرى المؤمنون؟

أقول: أما في الجنة فلا شك أنها خاصة بالمؤمنين إذ هي دارهم الخاصة، وهي دار الطيبين فلا يدخلها إلا المؤمنون الطيبون. فينحصر الخلاف في الرؤية التي تقع في الموقف عند الحساب والتجلي. والقول الذي يرجحه الحافظ ابن حجر أن الرؤية خاصة بالمؤمنين حتى في الموقف، ويجيب على قول من يرى عموم الرؤية استدلالاً بعموم اللقاء والخطاب بقوله: ولا يلزم من كونه "يتجلى للمؤمنين ومن معهم ممن أدخل نفسه فيهم أن تعمهم الرؤية، لأنه سبحانه أعلم بهم. فيُنعِمُ على المؤمنين برؤيته دون المنافقين كما يمنعهم من السجود عندما يكشف عن ساقه كما تقدم"1 ا. هـ

وهناك آراء أخرى في المسألة رأينا عدم الخوض فيها إيثاراً للإيجاز، والله أعلم.

وبعد، أود أن أذيل هذا المبحث - مبحث الرؤية - بأبيات للإمام ابن القيم، صور فيها يوم اللقاء أروع تصوير وأصدقه استنتاجاً من نصوص الكتاب والسنة التي ذكرنا بعضها آنفاً، إذ يقول رحمه الله:

فبينما هُمُ في عَيْشِهم وسرورهم ... وأرزاقهم تجري عليهم وتُقْسَم

تجلى لهم رب السموات جهرة ... فيضحك فوق العرش ثم يُسلِّم

سلام عليكم يسمعون جميعهم ... بآذانهم تسليمه إذ يُسَلِّم

يقول سلوني ما اشتهيتم فكل ما ... تريدون عندي إنني أنا أرحم

فقالوا جميعاً نحن نسألك الرضا ... فأنت الذي تُولِي الجميل وترحم

ولله أفراح المحبين عندما ... يخاطبهم من فوقهم ويُسَلِّم

ولله أبصار ترى الله جهرة ... فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم

فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ... أمِن بعدها يسلو المحب المتيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015