إنكار المنكرين لمحبة العبد لربه، أو محبة الرب سبحانه لأوليائه إنكار تقليدي لا معنى هل، بل إنهم سمعوا أن من تنزيه الله تعالى عما لا يليق به أن لا تعتقد أن الله يحب أحداً، لأن المحبة انفعال نفسي وتغير من حال إلى حال، فذلك من صفات المحدثين، فاتصاف الله بها يؤدي إلى تشبيه الخالق بالمخلوق، فذلك محال، وما يؤدي إلى المحال فهو محال، فوصفه تعالى بأنه يحب محال، هذه خلاصة تقريرهم، والغاية من إنكارهم، فهو كما ترى تقرير تقليدي أجوف، وإنما ينخدع به السذج من الناس، ولكنه قد ترك كثيراً من الناس في حيرة لا يستطيعون التعبير عنها، لأنهم يجدون في أنفسهم شعور المحبة وبشدة أحياناً في حالة انتباههم لآثارها، ثم يتذكرون ذلك التقرير الذي تقدم شرحه، فماذا يصنعون؟!!
فكل عبد منّ الله عليه بمحبة صادقة أثمرت له المبادرة إلى طاعة الله وحسن عبادته، ووجد من نفسه الاندفاع إلى مرضاته، والتلذذ بطاعته، والراحة فيها، " أرحنا بها يا بلال" 1، يشعر أن محبة الله هي التي بها حياته الروحية، وفيها نعيمه وحسن الأنس بربه، وولي نعمته.
ثم إن المحبة الصادقة تتمثل أيضاً في كراهة العصيان، والابتعاد عن المخالفات والابتداع، إذ إن صاحبها يكره أن تدنس تلك العلاقة التي بينه وبين ربه "المحبة الصادقة" بأي نوع من أنواع الانصراف عنه، والغفلة والتمرد، وإذا ما نفذ فيه ما قُدّر عليه، وسبق في علم الله سبحانه أنه لا بد له من كبوة وهفوة، فتحقق ذلك، ولا محالة يعلم أن ربه الحكيم ابتلاه وامتحنه، فيبادر إلى باب مولاه وهو في ندم وحزن لا يعلم مداهما إلا ربه الذي ابتلاه،