فهي عبادة عظيمة، فلو كانت كلمات الله مخلوقة لما استعاذ بها صلى الله عليه وسلم ولما علّم أمته، لأنه عليه الصلاة والسلام ينهى عن ذلك، بل يعده نوعاً من الإشراك بالله.

ما يستفاد من هذه الاستعاذة:

ثم إن هذه الاستعاذة المباركة تدلنا على الأمور التالية:

أولاً: جواز الاستعاذة بأسمائه وصفاته كما يستعاذ بذاته، ويؤيد ما قلنا قوله عليه الصلاة والسلام: "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" 1.

ثانياً: أن كلمات الله ليست مخلوقة إذ لو كانت مخلوقة لما استعاذ بها رسول الله عليه الصلاة والسلام كما تقدم.

ثالثاً: إن كلام الله ليس معنى واحداً يقوم بالذات، ليس بحرف، ولا صوت، كما تزعمه الأشاعرة المتأخرة، بل كلمات الله لا حد لها، لأنها من كمالاته، فكمالاته سبحانه لا تنتهي، ومما يزيد المقام بياناً قوله تعالى: {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} 2، وقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} 3.

هذه المعاني هي التي يريد الإمام أبو الحسن إثباتها ليحاجج الجهمية، ومن يوافقهم في اعتقادهم بأن كلام الله مخلوق، وقد سبقه إلى مثل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015