وهذه العناية بالشطر الأول من الحديث (وهو الإسناد) إذا أضيفت إلى الاهتمام بالشطر الآخر وهو (المتن) تدلنا دلالة واضحة على أن الله قد حفظ سنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما حفظ كتابه لأنها شارحة لكتابه، وتفسير له، كما تقدم بيان ذلك، وتعتبر المحافظة على الإسناد، وضبط الأحاديث باباً مهماً من الدين، حيث لا تجوز الرواية إلا عن الثقات وأن جرح الرواة بما هو فيهم جائز، بل قد يكون واجباً فضلاً من أن يعد من الغيبة المحرمة1، لأن هذا الجرح نوع من النصح والذب عن الشريعة المطهرة، فيقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "الدين النصيحة"، وقد روى عبدان بن عثمان عن ابن المبارك أنه كان يقول: "الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء"، ويقول العباس بن أبي رزمة2: سمعت عبد الله بن المبارك "يقول: بيننا وبين القوم القوائم يعني الإسناد".

فشبه الحديث بالحيوان ذي القوائم، فكما أن الحيوان لا يقوم بغير قوائم، فكذلك الحديث لا يقوم بغير الإسناد، فتحت هذه العناية البالغة بالإسناد والمتن معاً وصلت إلينا السنة المطهرة، ثم إن هذا الإسناد الذي ينقل إلينا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة الدقيقة لا تتمتع به أية ملة أخرى، لا اليهودية ولا النصرانية، بل الإسناد من خصوصيات هذه الأمة المحمدية.

يقول صاحب كتاب (الوضع في الحديث) : "والإسناد بنقل الثقة عن مثله إلى النبي صلى الله عليه وسلم خصوصية لهذه الأمة المحمدية، امتازت به عن سائر الأمم، فإن اليهود ليس لهم إلى نبيهم إلا الإسناد المعضل، ولا يقربون إلى نبيهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015