هما اتجاهان متناقضان: العناية التامة بألفاظ القرآن والسنة يحفظهما عن ظهر قلب، وطبعهما أحسن طباعة، ونشرهما بين القراء، وتخصيص مدارس ومعاهد وكليات لهما، وتخصيص إذاعة خاصة تعرف بـ (إذاعة القرآن الكريم) في بعض العواصم العربية والإسلامية، وهو أمر لم يسبق له نظير في التاريخ، وهو اتجاه كريم يستحق التقدير والإعجاب، ويقابل ذلك إعراض تام عنهما، وعزلهما عن حياة الأمة العامة والخاصة، مع الانحلال التام والبعد عن تعاليمهما ومبادئهما إلا من شاء الله، وقليل ما هم، وإذا أردنا أن نعرف تاريخ بدء هذا الانقسام، فلا بد من الرجوع إلى الوراء.
وبعد نشأة (علم الكلام) في العصر العباسي، في أواخر عصر بني أمية انقسم الناس ثلاث فرق في هذا الباب:
1- أتباع السلف الصالح التابعون لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن سلك مسلكهم، واقتفى أثرهم من أهل الحديث في كل عصر ومصر، الذين نرجو أن يكونوا هم الفرقة الناجية. وطريقتهم الإيمان بكل ما جاء في الكتاب والسنة من شريعة وعقيدة، وإثبات صفات الله الواردة فيهما على ظاهرها اللائق بالله دون التورط في التأويل ظناً وتخميناً، ودون تشبيه وتمثيل جرأة على الله إذ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} 1، وهم أيضاً يقولون بالآيات الكونية الدالة على وجود الله العليم الحكيم، وأفعاله الصادرة عن حكمة بالغة كما لا يهملون الأدلة العقلية، إذ لا يجوز تعطيل العقل في مجال العقيدة وغيرها، لأن العقل أساس التكليف، ومناط الأهلية، إلا أنه لا يجوز أن يتجاوز حدوده ويتجاهل وظيفته، ويجمح في مجال الخيال الفاسد، والأوهام الكاذبة بعيداً عن نور الوحي.
والخيال والوهم لا يصلحان أساساً للعقيدة والمعرفة الصحيحة