لنصوص الكتاب والسنة، تلك النصوص التي تثبت لله صفات الكمال -وصفات الله كلها كمال- الذي حملهم على ذلك في الغالب الكثير هو التقليد، تقليد شيوخهم لما لهم من المنزلة والمكانة في نفوسهم، ولما أراد الله لهم اتباع الحق أعانهم على مخالفة مشايخهم وزملائهم وأصدقائهم إيثاراً للحق الذي اتضح لهم من تدبر آيات الكتاب العزيز ومن النظر في السنة المطهرة، كما صرح بذلك والد إمام الحرمين أبو محمد الجويني في رسالته التي تحدثنا عنها عند ترجمته، نعم ليس بغريب أن يحصل كل ما حصل وذلك بتقدير الله تعالى وإرادته الكونية، ثم تاب الله عليهم فتابوا بتوفيق الله، لأن المرض الغريب الطارئ قد ينتشر بين الناس فجأة قبل أن تعرف أعراضه لجهل الناس بحقيقته حتى يقابلوه بالوقاية قبل نزوله ثم بالعلاج إذا نزل، ولكن العجيب والمثير للدهشة أن يعرف وخطورته بإخبار أولئك المرضى الذين تحدثوا - بعد أن عافاهم الله - عن سوء حالهم ووحشتهم عندما كانوا مصابين، فقدموا للناس واجب النصح وحذروهم من أن يتعرضوا لأسباب ذلك المرض، وبعد هذا كله يأتي أناس يتجاهلون تلك النصائح والتحذير فيتعرضوا لأسباب المرض، فيمرضون ثم يتجاهلون مرضهم فلا يسرعون إلى العلاج، بل يبقون حتى تشتد عليهم وطأة المرض ولا يزال يفتك بهم من حيث لا يشعرون أو من حيث يشعرون.
هذا هو حال علم الكلام ومثل علماء الكلام بعد توبة إمامهم أبي الحسن الأشعري ومن بعده من كبار أئمة علماء الكلام الذين تابوا وتحدثوا عن مآل علم الكلام، وأوضحوا عواره وحذروا الناس من قربانه بعبارات صريحة لا سيما ما جاء في نصيحة الإمام الجويني أبي محمد والد إمام الحرمين، وما جاء في كلام الإمام الغزالي، وقد تقدم ذلك كله مفصلاً وبعد:
يتضح جلياً من دراسة أطوار حياة هؤلاء الأئمة الذي تقدم ذكرهم ومعرفة ما انتهى إليه أمرهم، ومعرفة نوع العقيدة التي ختم الله لهم بها