وقبل كل شيء ينبغي أن نثق بأنه لا صديق، ولا من يتشبه بالصديق، ولذلك قال جميل بن مرة في الزمان الأول حين كان الدين يعانق بالإخلاص، والمروءة تتهادى بين الناس، وقد لزم قعر البيت، ورفض المجالس، واعتزل الخاصة والعامة، وعوتب في ذلك فقال: لقد صحبت الناس أربعين سنة فما رأيتهم غفروا لي ذنباً، ولا ستروا لي عيباً، ولا حفظوا لي غيباً، ولا أقالوا لي عثرة، ولا رحموا لي عبرة، ولا قبلوا مني عذرة، ولا فكوني من أسرة، ولا جبروا مني كسرة، ولا بذلوا لي نصرة، ورأيت الشغل بهم تضييعاً للحياة، وتباعداً من الله تعالى، وتجرعاً للغيظ مع الساعات، وتسليطاً للهوى في الهنات بعد الهنات، ولذلك قال الثوري لرجل قال له أوصني قال: أنكر من تعرفه، قال: زدني، قال: لا مزيد.
وكان ابن كعب يقول: لا خير في مخالطة الناس، ولا فائدة في القرب منهم، والثقة بهم والاعتماد عليهم، ولذلك قال الأول:
إخاء الناس ممتزج ... وأكبر فعلهم سمج
فإن بدهتك مقطعة ... فما لذنبهم فرج
فقومهم بهجرهم ... فإن لم يهجروا اعتوجوا
صروف الدهر دانية ... تقطع بينها المهج
وأنشدني أبو إسحاق إبراهيم بن هلال الكاتب الصابي في إخوان الزمان لنفسه: