قد شدد هذا الشيخ كما ترى، ولست أرى هذا المذهب محيطاً بالحق، ولا معلقاً بالصواب، ولا داخلاً في الإنصاف، فإن الإنسان لا يمكنه أن يعيش وحده، ولا يستوي له أن يأوي إلى المقابر، ولابد له من أسباب بها يحيى، وبأعمالها يعيش، فبالضرورة ما يلزمه أن يعاشر الناس، ثم بالضرورة ما يصير له بهذه المعايشة، بعضهم صديقاً، وبعضهم عدواً، وبعضهم منافقاً، وبعضهم نافعاً، وبعضهم ضاراً، ثم بالضرورة يجب عليه أن يقابل كل واحد منهم بما يكون له مرد من دين، أو عقل، أو فتوة، أو نجدة، ويستفيد هو من ذلك كله ما يكون خاصاً به، وعائداً بحسن العقبي عليه، إما في العاجل، وإما في الآجل، ولعزة الحال في وجدان الصديق، وتعذر السلامة على القريب والبعيد، قال القائل:
كن لثغر البيت حلسا ... وارض بالوحدة أنسا
واغرس الناس بأرض ال ... زهد ما عمرت غرسا
وليكن يأسك دو ... ن الطمع الكاذب ترسا
لست بالواحد حراً ... أو ترد اليوم أمسا
ما وجدنا أحداً س ... اوى على الخبرة فلسا
قال علي بن عبيدة: إنه لا دواء لمن لا حياء له، ولا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ولا إخاء لمن يريد أن يجمع هوى