مفزع، وقل ما نجتمع إلا ويحدثني عني بأسرار ما سافرت عن ضميري إلى شفتي، ولا ندت عن صدري إلى لفظي، وذاك للصفاء الذي نتساهمه، والوفاء الذي نتقاسمه، والباطن الذي نتفق عليه، والظاهر الذي نرجع إليه، والأصل الذي رسوخنا فيه، والفرع الذي تشبثنا به، والله ما يسرني بصداقته حمر النعم، ولا أجد بها بحياتي، ما أجد بحياتي لي، وإذا كنت أعشق الحياة لأني بها أحيا، كذلك أعشق كل ما وصل الحياة بالحياة، وجنى لي ثمرتها، وجلب إلي روحها، وخلط بي طيبها وحلاوتها.

وكان أبو سليمان يحدثني عن ابن سيار بعجائب، وأما أنا فما عرفته إلا قاضياً جليلاً، صاحب جد وتفخيم وتوقير وتعظيم، وكان مع ذلك بسيط اللسان، شريف اللفظ، واسع التصرف، لطيف المعاني، بعيد المرامي، يذهب مذهب أبي حنيفة.

ثم قال أبو سليمان: الصداقة التي تدور بين الرغبة والرهبة شديدة الاستحالة، وصاحبها من صاحبه في غرور، والزلة فيها غير مأمونة، وكسرها غير مجبور.

قال: فأما الملوك فقد جلوا عن الصداقة، ولذلك لا تصح لهم أحكامها، ولا توفي بعهودها، وإنما أمورهم جارية على القدرة، والقهر، والهوى، والشائق، والاستحلاء، والاستخفاف، وأما خدمهم وأولياؤهم فعلى غاية الشبه بهم، ونهاية المشاكلة لهم، لانتشابهم بهم، وانتسابهم إليهم، وولوع طورهم بما يصدر عنهم، ويرد عليهم.

وأما التناء وأصحاب الضياع، فليسوا من هذا الحديث في عير ولا نفير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015