يوفيان الحالات فروضها، ولا يبخسانها حقوقها، فلو بلغت لرجل فوق قسطه في الإخاء خفتا على ذي الفضل، أو قصرت بآخر عن الوفاء، وأزرت بأهل العدل، واعلم أن لأهل الفضل حظوظاً مقسومة، ومنازل معلومة، بعضها أشرف من بعض، ولكل منزلة حماها، لهم الفعال فليست تصلح إلا لهم، واعلم أن أبناء الكرام بمنزلة سيل الغمام، ينسبون إلى الكرم ما لم يبلهم الخبر، كما ينسب الغيث إلى المنفعة ما لم يبدر له ضرر، فإذا بلوا حمد المحمود، وذم المنكود.

أبو الربيع: ما إن بلوت أحداً إلا ردني إليك ابتلاؤه، ولا قفوت أثراً إلا عطفني عليك اقتفاؤه، ولئن امتحنت سريرة قلبي بالشكر على إحسانك، كما امتحنت عزيمة رأيي بالصبر على حرمانك، لتهجمن بك شهود من ظاهر فعال على عيون تبصر بها باطن وفاء، وأن تحملني حفاظك، وتلبسني ذمامك، ويشتمل علي وفاؤك، وينفعني اليوم ما سلفت فيك بالأمس أكن وكيلاً لسمعك في قلبي، وأميناً لعينك علي، فإني خفيف المؤونة، لطيف المعونة، لا قابل غنماً، ولا سائل أكلاً، ولا ساخط منك منزلة فويق العامة، ودوين الخاصة، ما لم ترفعني فوقها، وتجب لي ضعفها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015