أوساطها، وأخف الحالات عليه أقصدها، من غير أن يدع الاستكشار من الإحسان بجهده، والتحفظ من الإساءة بملغ رأيه، لا غاية لحرصه على اعتقاد الفصل، ولا نهاية لرغبته في مجانية القصير، لا يستخفه السرور، ولا يضعضعه المكروه، ولا تزدهيه الحاجة، ولا تمهله الضرورة، قد قدر أموره على الصدق، ونزه نفسه عن الكذب، معظماً لكل ما يسدي إليه من الجميل، مجتهداً لنفسه في أداء ما يجب عليه من الشكر، لا يقتصر من المكافأة على السواء دون أن يتجاوزه إلى الإفضال، لا يتبع صنيعته مناً، ولا يلتمس منها عوضاً، ولا يلزم أهلا بها مكافأة ولا شكراً، إنما غايته في الإحسان احتراز الفضل، واكتساب الحمد، واحتساب الأجر، قد حطه التدبير عن البذير، وردعه الجور عن التقدير، فهو الذي لا تجاوزه همتك في فضل، ولا يقصر عنك رأيك في اختيار، بل أعظم الحاجة إليه من إخوانك، وعندهم به أعظم الغنى عنك في نوائب دهرك، وتنقل الحالات بك، قد كفيناك خبرته، واعتقدنا لك إخاءه وثقته، فالقه بألطف بشرك، وأحسن قبولك، واخفض له كنفك، وأخلص بينه وبينك مودتك، واسترسل إليه بذات نفسك، واسكن إليه بمكنون سرك، وأدخله معك في مهم أمرك، فإنك تبلغ بيسير خلطته من معرفة فضله، وكرم إخائه، وصحة وفائه، ونبل رأيه ما يكتفي به دليلاً على كل ما تحب علمه من أمره.

كلثوم بن عمرو العتابي كتب إلى ريطة عن حفصة ابنته:

إن أول حاجتي إليك أن تتدبري كتابي إليك تدبر إنصاف، ثم تجيبنني عنه جواب متثبت، فإن أخفى الجور جور الاستماع، وأنفع العدل عدل الجواب، وليس فيما بين هاتين موضع قدم لواحد من الأمرين، وأصل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015