والإحجام فذاك شيء قد سد الناس دونه كل باب، وقصر الطمع فيه عن كل قاب، فليس له شبح إلا في الوهم، ولا خيال إلا في التمني والسلام.
وقلت لجعفر بن حنظلة: من أصحب؟ قال: أخطأت، قل لي من لا أصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، قال: فمن لا أصحب؟ قال: لا تصحبني ولا تصحب من كان مثلي، وما زادني على هذا، ولحقني من هذا الكلام كرب وصرف الزما، فرأيته بمدينة السلام سنة ثمان وخمسين وهو متوجه إلى الحج فقلت له: أيها الشيخ لقد جرحت سري بكلامك في وقت كذا وكذا، ولعلك ذاكر مما كان هناك، قال: أردت بتنفيرك مني إغراءك بي، وهذا من خدع المشايخ للمريدين.
وحدثني ابن السراج الصوفي قال: كنت بالشام عند الروبذباري أبي عبد الله، فكتب إلى المهلبي، وكان من مشايخ الشام، كتاباً فيه شوق وعتب يقول في فصل منه: أراحك الله يا سيدي من شوق من لا تشتاق غليه، وعتب من لا تغتابه، فإنه إذا أجاب هذا الدعاء حرس وقتك لك، وأفرغ بالك عليك، وكنت في زينة حالك ساعياً، ولحقائق سرك وعلانيتك راعياً، ولكن لو رحمت أصدقاءك في شوقهم إليك، صنتهم وغياك عن عتبهم عليك، وليس بضائر أن تجعل اهتمامك بهم، وطلوعك عليهم، وتجديدك العهد بناسمتهم في عرض ما تتقرب إلى الله به إن كان حسناً، أو في جملة ما تسغفر الله منه إن كان قبيحاً. وبعد فليس كل من أوتي الصبر، وأعين بالجلد، وكان له من نفسه داع إلى الجفاء، ومجيب إلى الهجر، أكمل ذلك كله في البعد هن خلانه، والبراءة من خلصانه، والله