لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجئوا إلى بلادي واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما يقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم ولم أدخل بينهم وبينهم ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد الله ابن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقالوا: ماذا تقولون؟ فقالوا: وماذا نقول، نقول والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا وما جاء به نبينا كائن في ذلك ما كان. فلما دخلوا عليه كان الذي تكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي، ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية، فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قومًا على الشرك نعبد الأوثان ونأكل الميتة ونسيء الجوار ونستحل المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نحل شيئًا ولا نحرمه، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم ونحسن الجوار ونصلي ونصوم، ولا نعبد غيره، فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفتة فأمرهم فنشروا المصاحف حوله. فقال له جعفر: نعم. قال: هلم فاتل علي ما جاء به، فقرأ عليه صدرًا من {كهيعص} فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته حتي أخضلوا مصاحفهم، ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى، انطلقوا راشدين لا والله لا أردهم عليكم ولا أنعمكم عينا. فخرجا من عنده وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة فقال له عمرو بن العاص: والله لآتينه غدًا بما استأصل به خضراءهم، لأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد (عيسى بن مريم) عبد فقال له عبد الله بن أبي ربيعة وكان أتقى الرجلين: لا تفعل فإنهم وإن كانوا خالفونا فإن لهم رحمًا ولهم حقًا. فقال: والله لأفعلن. فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسلهم عنه. فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها. فقال بعضنا لبعض: ماذا تقولون له