فَإِنَّهُ لَا يَخْشَاهُ إلَّا عَالِمٌ. وَيَقْتَضِي أَيْضًا: أَنَّ الْعَالِمَ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ. كَمَا قَالَ السَّلَفُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ " كَفَى بِخَشْيَةِ اللَّهِ عِلْمًا، وَكَفَى بِالِاغْتِرَارِ جَهْلًا ". انتهى كلامه رحمه الله

أقول: بناءً على ما تقدم نقول أن أجهل أهل القبلة أهل البدع لأنهم واقعون في البدع التي هي شر من المعاصي الشهوانية شعروا أو لم يشعروا, وأعلم الناس هم أهل الإستقامة من أهل السنة ولا سبيل إلى نيل هذه الرتبة إلا بتعلم العلم الذي يعرف به الخير من الشر والسنة من البدعة , ثم العمل بذلك ولهذا فضلوا ضعيف الحديث على صاحب الرأي لسلامة منهجه.

قال عبد الله بن أحمد في مسائله [مسألة رقم 1585 ص 438ط المكتب الإسلامي]:" سألت أبي عن: الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره , وفي مصره من أصحاب الرأي , ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي فلمن يسأل؟ لأصحاب الرأي أو لهؤلاء؟ - أعني أصحاب الحديث , على ما قد كان من قلة معرفتهم -؟

قال: يسأل أصحاب الحديث. لا يسأل أصحاب الرأي: ضعيف الحديث , خيرٌ من رأي أبي حنيفة."

ومن مظاهر الخلفية في فهم العلم الشرعي مدح بعض الناس للصمت مطلقاً , وربما اجتزأوا من الأخبار ما يوافق هواهم زاعمين أن ذلك هو الورع!

قال ابن عبد البر في [جامع بيان العلم وفضله: 1/ 375]:" الكلام بالخير غنيمة , وهو أفضل من السكوت , لأنه أرفع ما في السكوت السلامة , والكلام بالخير غنيمة , وقد قالوا: من تكلم بخير غنم ومن سكت سلم. والكلام في العلم أفضل من الأعمال , وهو يجري عندهم مجرى الذكر والتلاوة إذا أريد به نفي الجهل ووجه الله عز وجل والوقوف على حقيقة المعاني أخبرنا عبد الوارث، نا قاسم، نا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي، نا مسلم بن إبراهيم، نا هشام، نا قتادة قال: «مكتوب في الحكمة: طوبى لعالم ناطق أو لباغ مستمع» ".

أقول: والخبر الذي أسنده عن قتادة رواه الطبري في التفسير [4/ 203 ط دار الفكر] كما أفاد المحقق وإسناده قوي.

وبإزاء هؤلاء قوم زعموا أن كثرة الكلام تدل على العلم والفضل ولهذا تجد بعضهم تكثر من المؤلفات وبعضهم تكثر من الدروس وغير ذلك من غير تمام أهلية.

ولا يكون كثير الكلام دليلاً على علمٍ أو فضلٍ حتى ينظر في حقيقة هذا الكلام فإن كان حقاً وتحقيقاً كان دالاً على علمه وإن أمكنه الاستغناء بالقليل منه عن الكثير كان ذلك عياً منه إذا ما ركن إلى التكثير دونما حاجة , وإن كان إنما هو حكاية لعبارات الناس دونما تحقيق أو تدقيق أو اجتهادات فاسدة كان ذلك دالاً على جهل صاحبه وبعده عن العلم إذ من تمام علم المرء تركه للكلام فيما لا يحسن.

وهذا من علمه إذ أن العمل هو غاية العلم وثمرته ومن ذلك عمله بقوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}

قال عفان بن مسلم في [حديثه 261]: " حدثنا بشر بن المفضل عن خالد الحذاء: كنا نأتي أبا قلابة فإذا حدثنا بثلاثة أحاديث قال:- قد أكثرت. "

وقال أيضاً [14] " حدثنا حماد حدثنا ثابت عن أنس: أن بني أنس قالوا: ألا تحدثنا كما يحدث

[كذا] غرباء الناس؟ قال: فقال:- أي بني إنه من يكثر يهجر."

أقول: إسناده صحيح على شرط مسلم، وقولهم [يحدث غرباء الناس] كذا في مطبوعة الدكتور حمزة الزين ولعل صوابه [تحدث غرباء الناس]، وما أكثر من أكثر فهجر!

قال ابن عبد البر في [الجامع 1/ 288]: "ومن أدب العالم ترك الدعوى لما لا يحسنه , وترك الفخر بما يحسنه "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015