عبد الله الخليفي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فهذا بحث مختصر في مسألة (حجية قول الخلفاء الراشدين)، وسرد الأدلة على حجية قولهم ومعلومٌ أننا نقصد ما لم يخالف حديثاً صحيحاً:
أولاً: حديث " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين "
عن العرباض بن سارية قال " ثم وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله قال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبد حبشي فإنه من يعش منكم يرى اختلافا كثيرا وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ "
روي هذا الحديث من طرق من أشهرها
ما أخرجه ابن ماجه في سننه (42) وابن أبي عاصم في السنة (26) و (55) و (103 والمروزي في السنة (رقم27) والبزار في مسنده (ق/219) وتمام الرازي في فوائده (355) وابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 27 - 2 و (40/ 179 - 180) من طرق عن الوليد بن مسلم، والطبراني في المعجم الكبير (18/رقم622) والأوسط (رقم66) ومسند الشاميين (1/رقم786) -وعنه أبونعيم في مستخرجه على مسلم (1/ 37) وابن عساكر في تاريخ دمشق (64/ 374 - 375) والمزي فيتهذيب الكمال (31/ 539) - من طريق إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زبر، والحاكم فيالمستدرك (1/ 97) من طريق عمرو بن أبي سلمة التنيسي وتمام الرازي في الفوائد (225) من طريق مروان بن محمد الطاطري وعلقه ابن عساكر في تاريخه (64/ 375) على زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي خمستهم عن عبد الله بن العلاء بن زبر حدثني يحيى بن أبي المطاعقال: سمعت العرباض بن سارية، فذكره مرفوعا _ التخريج مستفاد من أحد الإخوة _
وقد أثبت البخاري سماع يحيى بن أبي مطاع من العرباض بن سارية في التاريخ الكبير (8/ 306) وهذا منه بمثابة تصحيح للحديث
وكذا أثبت سماعه منه يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/ 345) ووأبو نعيم في المستخرج على صحيح مسلم (1/ 36)
ونفى سماعه منه دحيم كما في تاريخ أبي زرعة (1/ 605)
والباحث هنا مترددٌ بين إعمال إحدى قاعدتين
الأولى: قاعدة المثبت مقدم على النافي وعليها يقدم كلام البخاري والفسوي
الثانية: أهل بلد الراوي أعلم به وعليها يقدم قول دحيم فهو شامي ويحيى شامي
وللحديث طريقٌ آخر عليه المعول عند وهو طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض وحديثه عند أحمد
(17142) والترمذي (2816) وابن ماجة (43) وغيرهم
وقد أعله بعضهم بجهالة عبد الرحمن بن عمرو السلمي وليس الأمر كذلك فقد قال فيه الذهبي في الميزان:" صدوق "
ووجه ذلك أنه روى عنه جمعٌ من الثقات وذكره ابن حبان في الثقات ذاكراً جمعاً من تلاميذه،
وصحح له جمعٌ من أهل العلم:
1_ الترمذي في سننه (2816)
2_ البزار كما نقل فيما نقله ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص473
3_ أبو نعيم الأصبهاني في مستخرجه كما نقله ابن رجب في جامع بيان العلوم والحكم (2/ 109)
4_ ابن حبان في صحيحه
5_ أبو العباس الدغولي كما نقل الهروي في ذم الكلام
6_ أبو إسماعيل الأنصاري كما في كتابه ذم الكلام وقد نقل التصحيح عن الدغولي
7_ ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله حيث أقر البزار
8_ الضياء المقدسي في المختارة
9_ الحاكم النيسابوري في المستدرك (41)
وكثرة الرواة عن الراوي تقوي حسن الظن به
قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2/ 36) باب رواية الثقة عن غير المطعون به أنها تقويه وعن المطعون به أنها لا تقويه
ثم نقل عن أبي حاتم وأبي زرعة في رفد هذا المعنى
وقال ابن رشيد كما في فتح المغيث (2/ 51) ((نعم كثرة روايةالثقات عن الشخص تقوي حسن الظن به))
قلت: وخصوصاً إذا لم يؤثر عنه مناكيروإذا كان من كبار التابعين وهذا هو حال عبدالرحمن
فقد قال أبو زرعة (1/ 606): ((العرباض قديم الموت روى عنه الأكابر عبدالرحمن وجبير بن نفير))
قلت: أتراه يقدم مجهولاً على ثقة ويصفه بأنه من الأكابر!!
وكذا ذكره في هذه الطبقة الإمام مسلم في الطبقات ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ
وقد صحح له كل من سبق ذكرهم، وقد احتج أحمد بهذا الحديث
قال أبو داود في مسائله (ص369) ط مكتبة ابن تيمية: ((سمعت أحمد غير مرة يسأل يقال: لما كان من فعل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي سنة؟ قال: نعم وقال مرةً _ يعني أحمد _ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)) انتهى النقل
قلت: احتج الإمام أحمد هنا بحديثنا ولا يظنبأن الإمام أحمد يحتج بحديثٍ ضعيف في تقرير أصل من أصول التشريع _ وإنما وقع ذلك منه في الأحاديث الفردية _ وفي هذا الحديث زيادة على أمر الله عز وجل في الأخذ بالكتاب والسنة وفي مثل هذا المقام لا يكفي الضعيف
وعبد الرحمن بن عمرو السلمي ثبت أنه كان صديقاً للعرباض بن سارية
يدل على هذا على هذا ما خرّجه ابن أبي عاصم في الآحاد قال:
حدثنا عمرو بن عثمان نا بقية، حدثني محمد بن زياد، حدثني عبد الرحمن بن عمرو السلمي قال: حلف على عطائي وعطاء عيالي وذلك أني دعيت على اسم غيري فأجب ودعي على اسمي فلم يجب عليه أحد. قال: فلم أترك أحدا أعلم أنه يثقل على الأمير إلا حملته عليه قال: وعلينا عبد الله بن قرط رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال:» فلقيني العرباض بن سارية السلمي يقول لي: ما فعلت؟ قلت: لا شيء. قال لي: تعال فذهبت معه إلى المطهرة. فقال: توضأ. فتوضأت وتوضأ معي ودخلنا المسجد فقال: ماكنت سائله ابن قرط فسل الله تعالى؛ فإنه هو الذي يعطي ويمنع. ثم قال: اركع ركعتين ثم ادعوا فأعينك. قال: فركعنا ركعتين ودعونا فما برحنا حتى أتانا رسوله يقول: أين ابن عمرو؟ قال: فصعدت إليه فقال: حدثني بما صنعت فأخبرته الخبر. فقال: هلا سألتم الله تعالى الجنة؟ ثم قال لقد عرضت علي حاجتكما كأني أنظر إليها، فرد علي عطائي وعطاء عيالي
قلت: وهذا الخبر الصحيح مخرجٌ في الزهد لأبي داود أيضاً، وللحديث طرق أخرى تكلم عليها باستيعاب الإمام الألباني في الصحيحة والنصيحة.