أن العداوة والبغضاء بين النصارى دائمة إلى يوم القيامة، بقوله: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) وبين مثل ذلك في اليهود أيضاً، حيث قال فيهم: (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) . والظاهر أنها في اليهود فيما بينهم، كما هو صريح السياق، خلافاً لمن قال إنها بين اليهود والنصارى. وصرح تعالى بعدم اتفاق اليهود معللاً له بعدم عقولهم في قوله: (تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون) .
وقال الشيخ الشنقيطي: قوله تعالى (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) ذكر في هذه الآية الكريمة، أن من تولى اليهود والنصارى من المسلمين فإنه يكون منهم بتوليه إياهم؛ وبين في موضع آخر أن توليهم موجب لسخط الله، والخلود في عذابه، وأن متوليهم لو كان مؤمناً ما تولاهم، وهو قوله تعالى: (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل اليهود ما أتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) . ونهى في موضع آخر عن توليهم مبيناً سبب التنفير منه؛ وهو قوله (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور) . وبين في موضع آخر: أن محل ذلك، فيما إذا لم تكن الموالاة بسبب خوف وتقية، وإن كانت بسبب ذلك فصاحبها معذور، وهو قوله تعالى (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة) فهذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقاً وإيضاح، لأن محل ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم،