بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الاختلاف بين الناس وعبدت الأصنام والأنداد والأوثان، فبعث الله الرسل بآياته وبيناته وحججه البالغة وبراهينه الدامغة (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) .
قال تعالى (وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)
قال ابن كثير: أي يقول هؤلاء الكفرة المكذبون المعاندون: لولا أنزل على محمد آية من ربه يعنون كما أعطى الله ثمود الناقة أو أن يحول لهم الصفا ذهبا أو يزيح عنهم جبال مكة ويجعل مكانها بساتين وأنهاراً أو نحو ذلك مما الله عليه قادر ولكنه حكيم في أفعاله وأقواله كما قال تعالى: (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا. بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا) وكقوله: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إِلا أن كذب بها الأولون) الآية، يقول تعالى: إِن سنني في خلقي أني إِذا أتيتهم ما سألوا، فإن آمنوا وإِلا عاجلتهم بالعقوبة. ولهذا لما خير رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بين إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإِلا عذبوا وبين إِنظارهم اختار إنظارهم ... (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) أي إِن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله فيّ وفيكم. هذا مع أنهم قد شاهدوا من آياته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إِلى القمر ليلة إِبداره فانشق اثنَتين فرقة من وراء الجبل وفرقة من دونه. وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا، ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبيتا لأجابهم، ولكن علم أنهم إِنما يسألون عنادا وتعنتا فتركهم فيما رابهم وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد كقوله تعالى: (إِن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) الآية، وقوله تعالى: (ولو أننا نزلنا إِليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إِلا أن يشاء الله) الآية.