في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك مما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.

وليس رؤية قبره أوريؤة الجدار الذي بنى على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه ومعلوم أن هذا من أباطل الباطل.

وأيضاً فالسفر إليه في حياته إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح فيكون المسافر إليه مسافراً للمقام عنده بالمدينة مهاجراً من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة، فقال: ((لا هجرة بعد الفتح ولمن جهاد ونية)) (?) ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجراً امره أن يرجع إلى مكة، وكذلك سائر الطلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا.

وإما أن يكون المسافر إليه وافداً إليه ليسلم ويتعلم منه ما يبلغه قومه كالوفود الذين كانوا يفيدون عليه، لا سيما سنة تسع وعشر سنة الوفود، وقد أوصى في مرضه بثلاث فقال: ((أخرجوا النصارى من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم)) (?) ومن الوفود وفقد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين (?) ، لكن هؤلاء أسلموا قديماً قبل فتح مكة وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد.

وكان السفر إليه في حياته لتعلم الإسلام والدين ولمشاهدته، وسماع كلامه، وكان خير محضاً، ولم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عبد في حياته بحضرته، فإنه كان ينهى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015